(وطن الراشدين ) هو محاولة لوضع تصور مبدئي عن بعض القضايا المعاصرة؛ وذلك بإعادة ضبط الحالة السياسية والمجتمعية إلى الحالة الأولى لدولة الخلفاء الراشدين. ونسأل، هل ينجح النموذج السياسي الديمقراطي؟ وما هو حجم قدراته الواقعية على تحقيق آمال مجتمعات المسلمين في بناء حقيقي كامل لوطنهم المنشود؟ وما هو موضع هذه الأمَّة مِن العالم؟ وما هي طبيعة علاقاتها مع الأعراق التاريخية المخالفة؟ وهل ينجح الفن في نقل الأفكار إلى المجتمع؟ وهل يمكن إعادة مجتمع الخلافة أيام الصحابة؟
قال رسول الله – صلى الله عليه وسلم –: "تَكون النبوّة فيكم ما شاء الله أنْ تكون ثُمَّ يرفعها الله إذا شاء أنْ يرفعها، ثُمَّ تَكون خلافة على منهاج النبوة؛ فتَكون ما شاء الله أنْ تَكون، ثُمَّ يرفعها الله إذا شاء أنْ يرفعها، ثُمَّ تَكون مُلكًا عاضًّا؛ فيَكون ما شاء الله أنْ يَكون، ثُمَّ يرفعها إذا شاء الله أنْ يرفعها، ثُمَّ تَكون مُلكًا جَبْرية؛ فتَكون ما شاء الله أن تَكون، ثُمَّ يرفعها الله إذا شاء أنْ يرفعها، ثُمَّ تَكون خلافة على منهاج النبوة، ثُمَّ سكت " ؛ فالمراحل التي حددها الرسول – صلى الله عليه وسلم – في حديثه عن الأمة واضحة جدًا، وإنْ كانت الديكتاتورية واضحة الانتماء إلى المُلك الجبري أو الحكم بالقوة؛ فإنَّ السؤال الحقيقي هو: هل يمكن أن تكون تلك الديمقراطية التي تطبقها بعض الدول حاليا بعيدة عن المُلك الجبري والحكم بالقوة؟
إنَّ أكثر البلدان ديمقراطية إنْ نظرت إلى شعوبها في أبسط معيار رئيسي لنجاح ديمقراطيتها - ألا وهو اختيارها لحكامها بحرية تامة - ؛ فستجد أنها تعيش كذبة كبرى، أولها تصديق أنَّها حرّة في اختيار مَن تشاء، وحُرّة في التحرّك نحو مسار النهضة الذي تريد؛ فهل يمكن لتلك الشعوب التي وافقت على الديمقراطية بشكلها الحالي أنْ تختار حاكمًا يطالِب بتخصيب اليورانيوم دون تحرك دولي ينتج عنه عقاب صارم؟ ولتنظر إلى أمريكا التي لَم تضع يدها على الأسلحة النووية الباكستانية فقط؛ وإنما وضعت يدها على الدولة بأكملها حكومة وجيشًا وشعبًا عندما فكّرت باكستان في المضيّ قُدُمًا في هذا المجال.
والآن نتساءل: أليس هذا نظامًا جبريًا وحكمًا بالقوة؟ نعم، هو كذلك إنْ حكَمنا على الجوهر والمضمون لا على المظهر؛ فالديمقراطية المعاصرة الحالية - والمشتبِكة بالنظام العالمي رغمًا عن الجميع - هي في جوهرها نفس النظام الاستبدادي لكن بآليات مختلفة، فقط تغيرت قواعد اللعبة ووسائل اختيار الملك؛ فبدلًا مِن ملك محدَّد مفروض قهرًا بأسنة الرماح؛ أصبح مَلكًا مُحدَّدًا مفروضًا بعقول العامة، وليس هذا مُقتصِرًا فقط على الشعوب المُهيمَن عليها؛ بل يمتد هذا العيب إلى شعوب الدول المهيمِنة نفسها، وهكذا تصبح الديمقراطية مُلكًا استبداديًا آخر أقل قمعًا في الظاهر، لكنه أكثر بريقا وخداعًا.
قد لا تُصدِّق أنَّ هذه القرية المتواجدة في بلد مجاور لبلدك، - والتي بينك وبينها عداوة - كانت في أغلب تاريخها جُزءًا مِن بلدك الحالي، وعلى النقيض؛ فإنَّ تلك المدينة التي تعتبرها مِن بلدك المعاصِر - والتي يقف جندي حرس الحدود ليدافِع عنها ضدّ هجمات الدول المجاورة - قد كانت على مدار تاريخها ألدّ أعداء بلدك.
مهازل التقسيم هذه، والتي نشأ على إثرها أغلب الدول الإسلامية الحديثة ومنها اتفاقية (سايكس بيكو ) ؛ ناتجة مِن فكرة فلسفية غربية كانت سائدة، ملخّصها أنَّ كل شعب لا بدّ له مِن أنْ يجتمع في مكان ومساحة جغرافية محددة بدقّة، وهذه الفكرة في غالب أجزائها لا تشكِّل أزمة كبرى مع العقيدة الإسلامية؛ فمنذ قرون تحدَّث (ابن تيمية ) عن مفهوم ربط الحياة المدنيَّة مع السكون والهدوء، وحياة البَداوة مع التنقّل الدائم، وكان رأيه واضحًا في تفضيل المدنيَّة؛ لأنَّ فيها فرصة لتطور الإنسان في العلم والدين ورقة القلوب، وهذا ما لن يحدث في البادية، لكن الاختلاف يظهر في تعريف العنصر الأجنبي - الذي لا يُحقِّق الانتماء القومي المطلوب - لشعب تلك الدولة؛ فهم يربطون الأمر بالعرق العنصري أو التواجد الجغرافي.
وهكذا صار هناك ولاء للوطن الحديث ورفض الأوطان المجاورة، وانتهى بالتالي نموذج الوطن المسلم أو الأمة الضخمة، وتلاشت بصورة قانونية تمامًا كل تعريفات الدولة الإسلامية التي خلَّفها لنا رسول الله وخلفاؤه الراشدين. ولكن هل أمم الغرب تحترم مفاهيم تلك الوطنية الحديثة في تعاملها مع الآخرين؟ أبدا! إنهم يقومون بإبادة عشرات الدول الأخرى، ويُطلِقون عليها ألقابًا تحقيرية مثل (العالم الثالث – الأجناس البربرية )؛ فأمريكا لا تقع أبدًا خلف المحيط الأطلسي، وهي تَنشر سيطرتها فوق أغلب مساحة الكرة الأرضية؛ فأمريكا في سيارتك على شكل وقود، وفي جيبك على شكل بطاقة ائتمان، وفي عقلك على شكل عشرات الأفلام.
إنَّ المواطَنة في الإسلام هي الانتماء لأرض المسلمين هذه في كل زمان ومكان، ولا إعادة للمجد إلا بصنع هيمنة للمسلمين على غيرهم من الأمم، ولا استقلال دون وحدة إسلاميّة كبرى تَكسر المفاهيم الكاذبة للدولة الحديثة والنطاقات الجغرافية المحدودة والكيانات السياسية الصغيرة المتناثرة في تلك الدول، والفرق بين الإمبريالية وحب السيطرة الغربي من الدول الكبرى بالمفهوم العالمي وبين التوسع الإسلامي المطلوب، يتمثل في اختلاف الهدف الأصلي؛ فبينما لا يَطلب المسلمون مِن غيرهم سوى السلام والخضوع لدين الحق في ترك حرية الدعاة والدعوة؛ فإنَّ الإمبريالية عامَّة، والغربية خاصة تهدف إلى مجموعة مِن الأغراض، سواءً أكانت أغراضًا مادية ممثّلة في الاستيلاء على ثروات الأمم الأخرى، أم عقائدية ممثّلة في طلب نشر الأديان الباطلة التي تعتنقها كالإلحاد والنصرانية. وهذا الفارق الضخم بين توسعة رقعة دولة الإسلام رغبة في عبادة الشعوب لله، وبين توسعة رقعة دولة الكفر رغبة في تعبيد الشعوب لغير الله. هو عامل حسم لا يستوعبه إلا مَن يَفقه ويفهم ويستعلي بدين الحق عن الكافرين.
اكمل قراءة الملخص كاملاً علي التطبيق الان
ثقف نفسك بخطة قراءة من ملخصات كتب المعرفة المهمة
هذه الخطة لتثقيف نفسك و بناء معرفتك أُعدت بعناية حسب اهتماماتك في مجالات المعرفة المختلفة و تتطور مع تطور مستواك, بعد ذلك ستخوض اختبارات فيما قرأت لتحديد مستواك الثقافي الحالي و التأكد من تقدم مستواك المعرفي مع الوقت
حمل التطبيق الان، و زد ثقتك في نفسك، و امتلك معرفة حقيقية تكسبك قدرة علي النقاش و الحوار بقراءة اكثر من ٤٣٠ ملخص لاهم الكتب العربية الان